فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويتابع الحق: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} فمهمة النجاح للرجل أو المرأة هو أن يكون كل منهما صالحًا ومؤديا للمهمة التي خُلق من أجلها، بعد ذلك يكون حساب الثواب والعقاب وكل واحد على قدر تكليفه.
فالثواب والعقاب يأتي على مقدار ما يقوم كل مخلوق مما كلف به.
والمثال على اختلاف مهمة الرجل عن مهمة المرأة، يتجلى في أننا نجد الرجل عندما تغضب امرأته أو تمرض، ويكون عنده ولد رضيع، فهل يستطيع هو أن يرضع الطفل؟ طبعًا لا؛ لأن لكل واحد مهمة؛ فالعاقل هو من يحترم قدر الله في خلقه، ويحترم مواهب الله حين أعطاها، وهو يسأل الله من فضله، أي مما فضله به ليعطي له البركة في مقامه. وحين يقول الحق: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} نلحظ أن هذه تساوي تلك تمامًا.
{وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ومن واسع علمه سبحانه أنه وزع المواهب في خلقه حتى يتكامل المجتمع ولا يتكرر؛ لأن تكرار المجتمع هو الذي يولد الشقاق، أما تكامله فيولد الوفاق، وسبب نزول الآية {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أن النساء قلن: إننا لم يكتب علينا الجهاد وأعطانا ربنا نصف الرجل من الميراث، وقد أوضح الحق من قبل للمرأة أنها أخذت نصف الرجل لأنها محسوبة على غيرها ولن تصرف وتنفق من دخلها على نفسها، بل سيصرف الرجل وينفق عليها، والمسألة بذلك تكون عادلة. وكذلك قال الرجال: ما دام الله قد فضلنا في الميراث، وأعطانا ضعف نصيب المرأة فلعله يفضلنا في الآخرة ويعطينا ضعف ثوابها، فيصنع الرجل العمل الواحد ويريد الضِّعف!.
وانظر لذكاء المرأة، حينما قالت: ما دام ربنا أعطانا نصف ميراثكم فلماذا لا يعطينا نصف العقوبة إذن؟ فأوضح لهم الله: اهدأوا {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي أن على كل واحد أن يرضي بما قسمه الله له. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مَا فَضَّلَ الله} {ما} موصولة، أو نكرة موصوفة، والعائدُ الهاء في {بِهِ}، و{بعضكُم} مفعول بـ {فَضَّلَ}، و{عَلَى بَعْضٍ} متعلّق به.
إثبات الهمزة في الأمر من السؤال:
الجمهورُ على إثْباتِ الهمْزَةِ في الأمرِ من السُّؤالِ الموجه نحو المخاطب، إذا تَقدَّمَهُ واو، أو فاء نحو: {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ} [يونس: 94]، {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32]، وابن كثير، والكسَائِي بنقل حركة الهمْزَة إلى السِّين تخفيفًا لكثرة استعماله. فإن لم تتقدَّمه واو، ولا فاء، فالكُلُّ على النقل نحو: {سَلْ بني إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]، وإن كان لغائب، فالكُلُّ على الهمز نحو: {وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ} [الممتحنة: 10].
وَوَهِمَ ابْنُ عَطيَّة، فنقل اتِّفَاقَ القُرَّاءِ على الهَمْزِ في نحو: {وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10]، وليس اتفاقهم في هذا، بل في {وليسألوا ما أنفقوا} كما تقدَّم.
وتخفيف الهَمْزَةِ لغةُ الحِجَازِ، ويحتملُ أن يكونُ ذلك من لغة من يقُولُ سَالَ يَسَالُ بألف مَحْضَةٍ، وقد تقدَّمَ تحقيق ذلك، وهذا إنَّمَا يتأتى في سَلْ، وفَسَلْ وأمّا وسَألوا، فلا يَتَأتَّى فيه ذلك؛ لأنَّهُ كان ينبغي أنْ يُقَالَ: سالوا كَخَافُوا، وقد يُقَالُ: إنَّهُ التزم الحذف لكثرة الورود، وقد تقدّم في البَقَرة عند {سَلْ بني إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211].
وهو يَتعَدَّى لاثْنَيْنِ، والجلالة مفعول أوّل، وفي الثَّاني قولان:
أحدهما: أنَّهُ محْذُوفٌ، فقدَّره ابْنُ عطيَّة: أمانيَّكم وقدّره أبُو عليِّ الفارسِيُّ وغيره: شيئًا مِنْ فَضْلِه، فحذفَ المَوْصُوف، وأبْقَى صِفَتَهُ نحو: أطعمته من اللحم، أي: شيئًا منه، ومِنْ تبعيضيَّة.
والثَّاني: أن مِنْ زائدة، والتَّقديرُ: واسألوا الله فَضْلَهُ، وهذا إنَّما يَتَمَشَّى على رَأي الأخْفَشِ لفقدان الشَّرْطَيْنِ، وهما تنكيرُ المجْرُورِ، وكون الكلام غير موجب. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن أم سلمة أنها قالت «يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولا نقاتل فنستشهد، وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} وأنزل فيها {إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35]».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة؟ فأنزل الله: {ولا تتمنوا} فإنه عدل مني وإن صنعته».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة قال: إن النساء سألن الجهاد فقلن وددنا أن الله جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال. فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن مجاهد وعكرمة في الآية قالا: نزلت في أم سلمة بنت أبي أمية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي. أن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران. وقالت: النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ولو كتب علينا القتال لقاتلنا. فأنزل الله الآية، وقال لهم سلوا الله من فضله يرزقكم الأعمال وهو خير لكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} يقول: لا يتمنّ الرجل فيقول: ليت لي مال فلان وأهله. فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله {للرجال نصيب مما اكتسبوا} يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: لا تتمن مال فلان ولا مال فلان، وما يدريك لعل هلاكه في ذلك المال.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئًا ولا الصبي شيئًا، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع. فلما لحق للمرأة نصيبها، وللصبي نصيبه، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وقالت النساء لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال. وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسنات في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث. فأنزل الله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل.
وأخرج ابن جرير عن أبي حريز قال: لما نزل {للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب كما لهم نصيبان من الميراث. فأنزل الله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} يعني الذنوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {للرجال نصيب مما اكتسبوا} قال: من الإثم {وللنساء نصيب مما اكتسبن} قال: من الإثم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن سيرين، أنه كان إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال: قد نهاكم الله عن هذا {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} ودلكم على خير منه {واسألوا الله من فضله}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {واسألوا الله من فضله} قال: ليس بعرض الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {واسألوا الله من فضله} قال: العبادة ليس من أمر الدنيا.
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل».
وأخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج».
وأخرج أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثًا إلا قالت الجنة: اللهم أدخله، ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثًا إلا قالت النار: اللهم أجره». اهـ.

.تفسير الآية رقم (33):

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}

.اللغة:

{موالي} المولي: الذي يتولى غيره يقال للعبد مولى وللسيد مولى، لأن كلا منهما يتولى الآخر، والمراد به هنا الورثة والعصبة.
{قوامون} قوام: مبالغة من القيام على الأمر بمعنى حفظه ورعايته أي يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية.
{قانتات} مطيعات وأصل القنوت دوام الطاعة.
{نشوزهن} عصيانهن وترفعهن، وأصله المكان المرتفع ومنه تل ناشز، ويقال: نشزت المرأة إذا ترفعت على زوجها وعصته.
{المضاجع} جمع مضجع وهو المرقد.
{شقاق} الشقاق: الخلاف والعداوة مأخوذ من الشق بمعنى الجانب، لأن كلا من المتشاقين يكون في شق غير شق صاحبه أي في ناحية.
{الجنب} البعيد الذي ليس له قرابة تربطه بجاره، وأصل الجنابة: البعد.
{مختالا} المختال: ذو الخيلاء والكبر.
{مثقال} وزن.
{الغائط} الحدث واصله المطمئن من الأرض، فقد كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا منخفضا من الأرض، فكنى عن الحدث بالغائط، وهي كناية لطيفة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{ولكل} أي من القبيلتين صغارًا كانوا أو كبارًا {جعلنا} بعظمتنا التي لا تضاهى {موالي} أي حكمنا بأنهم هم الأولياء، أي الأنصار، والأقرباء لأجل الإرث، هم الذين يلون المال ويرثونه، سواء كانوا عصبة خاصة وهم الوراث، أو عصبة عامة وهم المسلمون.
ولما كان الاهتمام بتوريث الصغار أكثر قال: {مما} أي من أجل ما {ترك} أي خلفه {الوالدان} أي لكم، ثم أتبع ذلك ما يشمل حقي الأصل والفرع فقال: {والأقربون} أي إليكم، ثم عطف على ذلك قوله: {والذين} أي وما ترك الذين {عقدت أيمانكم} أي مما تركه من تدلون إليه بنسب أو سبب بالحلف أو الولاء أو الصهر، وذكر اليمين لأن العهد يكون مع المصافحة بها، ثم سبب عن ذلك قوله: {فآتوهم} أي الموالي وإن كانوا صغارًا أو إناثًا على ما بينت لكم في آية المواريث السابقة، واتركوا كل ما خالف ذلك فقد نسخ بها {نصيبهم} أي الذي فرضناه لهم من الإرث موافرًا غير منقوص، ولا تظنوا أن غيرهم أولى منهم أو مساوٍ لهم، ثم رهب من المخالفة، وأكد الأمر وعدًا ووعيدًا بقوله: {إن الله} أي المحيط بصفات الكمال {كان على كل شيء شهيدًا} أي فهو يعلم الولي من غيره والخائن من غيره وإن اجتهد في الإخفاء، لأنه لا يخفى عليه شيء، لأنه لا يغيب شيء ولا يغيب عنه شيء، فالمعنى: إنا لم نفعل سوى ما قصدتم من إعطاء المال لمن يحمي الذمار ويذب عن الحوزة، وأنتم كنتم غير منزليه حق منازله لغيبتكم عن حقائق الأمور وغيبتها عنكم، فإنا لم نخرج شيئًا منه لغير الموالي- أي الأنصار- إما بالقرابة أو بالمعاقدة بالولاء أو المصاهرة، فالحاصل أنه لمن يحمي بالفعل، أو بالقوة القريبة منه، أو البعيدة الآئلة إلى القرب، وأما التفضيل في الأنصباء فأمر استأثرنا بعلم مستحقيه، وفي البخاري في التفسير عن ابن عباس: «موالي: ورثة والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجرين الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت، ثم قال: {والذي عاقدت أيمانكم} من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له». اهـ.